الحضارة وسعادة المجتمعات والنموذج الياباني

محمد العتيبي

Last updated on أغسطس 5th, 2020 at 06:21 م

الكاتب: محمد العتيبي.

في عام 1905 م بدأت اليابان تسير في طريق الحضارة عندما هزمت روسيا بسبب الصراع الاستعماري على كوريا حيث بدأت النهضة الفعلية لليابان عندما أتى الإمبراطور موتسوهيتو – وأسمه الأصلي ” ميجي ” أو كما عرف ب ( الحاكم المستنير )-  في عام 1868 حيث  كانت معزولة وإقطاعية وغير صناعية ، فتحولت الى قوة صناعية وعسكرية فكسر عزلة البلاد وتقوقعها ( بسبب حكم أسرة الشوغون / حكم العسكر الذي امتد لقرون) ، وألغى الطبقية وقضى على حكم العسكر وتقارب مع الغرب وأخذ منهم حاجاتهم الضرورية بعيدا عن الترف والملذات واستعان بأنظمتهم ونقل الصناعة والمعرفة لبلاده وبدأ في الانفتاح التجاري والعلمي والعمل الجاد وساهم في تكوين طبقة الفلاحين المنتجين بتمكينهم من تملك الأراضي الزراعية والارتقاء بالنظام التعليمي، واتحدت الأجهزة الحكومية مع شركات القطاع الخاص لتكوين قوة اقتصادية وبتحالف مع الشعب أيضا و يتمثل ذلك في وقوفهم مع حكومتهم خلال فترات ضعف في 1974 و 1979 بسبب ارتفاع سعر النفط حيث ساهموا في ترشيد استهلاك الطاقة من خلال حملاتها ولازالوا، وبذلك استقلت اليابان بحضارتها في وقت قياسي ( في أقل من نصف قرن ) وأصبحت دولة منتجة بعدما كانت مستوردة .

نتيجة لما سبق فقد ارتفع متوسط دخل الفرد الياباني وتحققت لأفراد هذا المجتمع الضمانات الاجتماعية الكافية التي تحقق لهم شروط السعادة وتضمن لهم الأفضل في أسلوب وجودة الحياة وتبعدهم عن الحرمان من هذه الضمانات وتقضي على مشكلاتهم الاجتماعية كالفقر والجهل والأمراض وغيرها وهي من الأعراض الأساسية لمشكلة الحضارة ، وبما أن تكوين الحضارة في مجتمع ما مرتبط بقوتها ومظاهرها الاقتصادية فذلك تلقائيا يؤدي لبناء ذلك المجتمع ونهوضه، والمجتمع المتعارف عليه في حقيقته ومعناه لا يمكن اختزاله وتعريفه من خلال عدد أفراده وتجمعهم ولكن وظيفته الأساسية تكمن في تحقيق راحة الفرد وحفظ كيانه وهو – أي المجتمع – كما يعرفه عالم الاجتماع مارشال جونز بأنه : « نوع معين من الجمع يتميز بالاكتفاء الذاتي والقدرة على تزويد أفراده بجميع احتياجاتهم الضرورية لتحقيق الاكتفاء الذاتي دون الاستعانة بغيره من التجمعات » ، وحضارة المجتمعات تكمن في ما تنتجه وتصنعه وليس العكس ( كما في النموذج الياباني).

إذن فالحضارة والسعي لبناء المجتمعات وسعادة أفرادها تحققه التنمية الاقتصادية – وما يرافقها من تغيرات اجتماعية وثقافية – بواسطة العناصر الأساسية للتحضر: استغلال الطاقات البشرية (تعليم وتربية وقدوات وأخلاق) وكذلك باستغلال عامل الأرض والوقت، وبناءً على ذلك فالواجب على الأفراد أن تتظافر جهودهم، كلٍ يقوم بمهمته في مجاله وكذلك بمواجهة كل ما من شأنه تخريب المجتمع وعرقلة عجلة التنمية وهنا يتحقق المطلوب للنهوض الحضاري من خلال التوازن بين الحقوق والمسؤوليات.

اترك تعليقاً

Connect with:

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى