“المعلقات” للفنانة التشكيلية مها الملوح
سلسلة عمل غذاء للفكر
Last updated on فبراير 11th, 2020 at 07:26 م
(الثقافة العربية هي في المقام الأول ثقافة أدبية ، تلعب فيها الكلمة المنطوقة دوراً جوهرياً وأصيلاً، ومنذ فجر التاريخ سيطر الأدب الشفهي للمنطقة على المشهد الثقافي، حيث ذلك لا يعني أن الثقافة البصرية ليست مهمة، لكنني أستطيع القول بأنها لا تتمتع بنفس قيمة الكلمة المنطوقة، وبما أنني اهتم اهتماماً كبيراً بالثقافة البصرية الخاصة بمنطقتنا والتأثير الهائل التي كانت ومازالت العولمة تمارسها على هذا الجزء من العالم، فأنني كثيراً ما أجد نفسي أتأمل في هذه المسائل بالغة الأهمية.
وفي محاولة للتصالح مع هذه التحولات من الثقافة المنطوقة إلى الثقافة البصرية، التي تزامنت مع انتشار مؤسسات المتاحف وصالات الفنون ومهرجاناتها خلال العقد الماضي، فقد حاولت جاهدةً أن أحدد موقع تراثنا الأدبي واللغوي.
إن قدور الألمنيوم العتيقة التي أتت من مختلف الأسواق القديمة ،ظلت تستخدم عبر السنين من قبل العرب كأوعية للطهي في بيوت المناطق الحضرية وفي خيام البدو، بل حتى في المطاعم في وقت لاحق، وتختلف أحجام هذه القدور كثيراً حيث يتسع بعضها لما يصل إلى ثلاثة جمال، وعليه فإن هذه القدور تقف كشاهد على تاريخ وفنون الطهي عند العرب، كما تعكس بصوره أخرى تقاليد الكرم والأريحية العربية.
هذا العمل الفني الذي يحمل عنوان “المعلقات” يجذبني، خاصة وأنه يشير إلى المعلقات السبع التي تمثل قصائد من عيون الشعر العربي للشعراء العظام في العصر الجاهلي والتي كانت تعلق على أستار الكعبة المشرفة في مكة المكرمة، وبما أننا انتقلنا بعيداً عن مثالية الشعر ،وبدأ جمهور القرّاء للأسف في التناقض فإننا نجد أنفسنا من خلال هذا العمل وغيره، نواكب العالم في توجهه نحو جاذبية العناصر البصرية.
والقدور المعلقة، ضمن هذا العمل، هي بمثابة إشادة بإرثنا الأدبي، وشهادة على حاجتنا وشغفنا الحالي بكل ما هو بصري، فهذه القدور تتحدث عن تجدد بحثنا الخاص بآثار تراثنا البصري وثقافتنا المادية، التي ظلت مستتره في ظل أرثنا الأدبي لزمن طويل، ومن خلال الاعتراف بالأهمية الكبرى والنواحي الجمالية للمعلقات الأصلية، فإن هذا العمل الفني يحتفي بالوضع المميز للشعر في ثقافة العرب وتراثهم ويسمح في الوقت نفسه بإثارة وتجدد الإهتمام بالجوانب الأخرى من ثقافتنا، التي لا تقل عن الشعر أهمية ورفعة).