النقد الساخر
هالة القحطاني
Last updated on يونيو 26th, 2021 at 10:35 ص
النقد الساخر
في عالم الكتابة الشاسع، يملك كل كاتب أسلوب خاص لطرح فكرته، او لرواية قصته بالطريقة التي يود إيصالها للعالم.
وفي وقتٍ معين يبحث أغلب الكُتاب عن مخرج آمن، يجنبهم الوقوع في فخ النمطية، التي قد تصنعها الكتابة المتواصلة في الشأن العام. فيختبر القارئ دون ميعاد، لذة التنوع الذي يُحدثه بعض الكُتاب اثناء عملية بحثهم تلك. والتي قد يواجه اثنائها احتمالية تحوله الى كاتب ساخر متأثراً بشيء ما في طريقه.
فعادة لا يخطط الكاتب لأن يكون ساخراً، بل يجد نفسه متورطاً في موقف من مواقف
” شر البلية” يُحرض على السخرية. فما ان يصطدم بعالم عبثي يبعثر تفكيره، ويهز حياته و يتركه عالقاً، حتى يجد نفسه يكتب بطريقة هزلية، تدك صخرة الواقع الذي اختبره ، في محاولة منه لتفتيته واستعادة السيطرة.
واذا عُدنا للوراء قليلاً، سنجد بإن الكتابة الساخرة من اقدم الفنون الأدبية، والتي قد تكون قِدم الكتابة نفسها، عندما استُخدمت كسلاح في العصر الجاهلي لتضيف لأدب الذم والهجاء.
وقبل عصر التغريد وتطور التقنية، كانت المقالات الساخرة تأتي كرديف للخطاب الجاد، وكرمز للاحتجاج على قرار او موقف معين. ليظهر دورها في إبراز الخلل الموجود في المجتمعات، بطرح الآراء والأفكار ووجهات النظر المعارضة، وللتعبير عن هموم افراد المجتمع واحتياجاتهم.
وبعد تطور تقنية التواصل. اختصرت التغريده الساخرة، كل ما كان يُطرح في المقال الساخر الطويل. فاغلب التغريدات الساخرة، باتت تؤدي دور المقال وتصل بشكل اسرع ومختصر، وتنقل ردة فعل الشارع ،بعد ان اصبحت كل الوزارات والقطاعات المختلفة في الدولة الواحدة في مرمى النقد.
اهتم ايضاً النقد الساخر، بالتغلغل بمرونة في صميم المجتمع، بإحداث خلخلة لكثير من المفاهيم والأفكار الخاطئة بمختلف توجهاتها وتنوعها. سواء كانت اجتماعية او ثقافية، واصبح من أقوى الأدوات التي ساهمت في نفض الرواسب الاجتماعية، والعادات البالية والتقاليد الرجعية، ومواجهة الغش ، وكشف الصور التي يتخذها الفساد كل مرة.
ومن دوافع السخرية على سبيل المثال، ان يتم الاحتفاء باللغة العربية في يومها العالمي كل عام، وترفع شعاراتها من قبل مؤسسات ومراكز ثقافية كبيرة، لا تستخدم بنفسها مصطلحات اللغة العربية على حساباتها الرسمية. بل تحتفى بها كنوع من أنواع الالتزام، ومواكبة الجو العام.
وينتهي اليوم العالمي للغة العربية مثل كل عام، دون ان نلمس توجه جدي او مبتكر للتعزيز من استخدامها في المجتمع. بل تزيد تلك المراكز ذلك الصدع الذي تسبب فيه ضعف اللغة العربية في نظامنا التعليمي، بعد ان تعمدت مدارسنا لتحويله الى مادة للحفظ دون الاحساس بقيمته وجمالياته!
ومن خلال التجارب الشاقة، نجد بإن بعض الظروف المحيطة بالقضايا، تستلزم احياناً اللجوء للكتابة الساخرة، لإثارة القارئ وإخراجه من سكونه، ولفت انتباهه لظاهرة او سلوك معين، لدفعه على المشاركة في عملية التعديل وتصحيح الوضع، لإحداث تغييراً ايجابياً في المجتمع.
خاصة وبعض القضايا الحساسة تفرض التلميح والتورية في آن واحد. اذ يصعب امامها التصريح المباشر الذي لا يحتمل قوة النقد، خوفاً من ردة الفعل العنيفة التي تصدر من بعض النافذين، او خشية من ان تتسبب قوة النقد بالأذى لأصحاب القضية. وحالات مثل تلك، تفرض كثيرا على الكاتب اضافة أدوات مساعدة مثل الشفرات ، لإيصال المعنى الذي يريد من خلال نقده.
ولولا ضيق الأفق، لكان للكتابة الساخرة في مجتمعنا العربي مستقبل عظيم، لما تمثله من طرازاً فريداً في الأدب العربي. في حالة تم استيعابها كفن من الفنون الأدبية للتعبير ، دون ملاحقة الكاتب الساخر او مقاضاته، والبحث عن وسائل للتنكيل به او الانتقام منه!!