الوجود والعدم
Last updated on يونيو 26th, 2021 at 10:35 ص
كتاب: الوجود والعدم
تأليف: د.مصطفى محمود
سنة النشر: 2003
الناشر: قطاع الثقافة.
عن مصطفى محمود (27 ديسمبر 1921 – 31 أكتوبر 2009): فيلسوف وطبيب وكاتب مصري. هو مصطفى كمال محمود حسين آل محفوظ، من الأشراف وينتهي نسبه إلى علي زين العابدين. توفي والده عام 1939 بعد سنوات من الشلل، درس الطب وتخرج عام 1953 وتخصَّص في الأمراض الصدرية، ولكنه تفرغ للكتابة والبحث عام 1960. تزوج عام 1961 وانتهى الزواج بالطلاق عام 1973. رزق بولدين هما “أمل” و”أدهم”. تزوج ثانية عام 1983 من السيدة زينب حمدي وانتهى هذا الزواج أيضا بالطلاق عام 1987.
ألف 89 كتاباً منها الكتب العلمية والدينية والفلسفية والاجتماعية والسياسية إضافة إلى الحكايات والمسرحيات وقصص الرحلات، ويتميز أسلوبه بالجاذبية مع العمق والبساطة.
مصطفى محمود والوجودية: تزايد التيار المادي في الستينات وظهرت الوجودية، لم يكن (مصطفى محمود) بعيدا عن ذلك التيار الذي أحاطه بقوة، حيث يقول عن ذلك: “احتاج الأمر إلى ثلاثين سنة من الغرق في الكتب، وآلاف الليالي من الخلوة والتأمل مع النفس، وتقليب الفكر على كل وجه لأقطع الطرق الشائكة، من الله والإنسان إلى لغز الحياة والموت، إلى ما أكتب اليوم على درب اليقين”
ثلاثون عاماً من المعاناة والشك والنفي والإثبات، ثلاثون عاماً من البحث عن الله!، قرأ وقتها عن البوذية والبراهمية والزرداشتية ومارس تصوف الهندوس القائم عن وحدة الوجود حيث الخالق هو المخلوق والرب هو الكون في حد ذاته وهو الطاقة الباطنة في جميع المخلوقات. الثابت أنه في فترة شكه لم يلحد فهو لم ينف وجود الله بشكل مطلق؛ ولكنه كان عاجزاً عن إدراكه، كان عاجزاً عن التعرف على التصور الصحيح لله.
لاشك أن هذه التجربة صهرته بقوة وصنعت منه مفكراً دينياً خلاقاً، لم يكن (مصطفى محمود) هو أول من دخل في هذه التجربة، فعلها الجاحظ قبل ذلك، فعلها حجة الإسلام أبو حامد الغزالي، تلك المحنة الروحية التي يمر بها كل مفكر باحث عن الحقيقة، ان كان الغزالي ظل في محنته 6 أشهر فان مصطفى محمود قضى ثلاثين عاماً !
ثلاثون عاماً أنهاها بأروع كتبه وأعمقها (حوار مع صديقي الملحد)، (رحلتي من الشك إلى الإيمان)، (التوراة)، (لغز الموت)، (لغز الحياة)، وغيرها من الكتب شديدة العمق في هذه المنطقة الشائكة. المراهنة الكبرى التي خاضها ألقت بآثارها عليه. ومثلما كان الغزالي كان مصطفى محمود؛ الغزالي حكى عن الإلهام الباطنى الذي أنقذه بينما صاحبنا اعتمد على الفطرة، حيث الله فطرة في كل بشري وبديهة لا تنكر، يقترب في تلك النظرية كثيرا من نظرية (الوعي الكوني) للعقاد. اشترى قطعة أرض من عائد أول كتبه (المستحيل)، وأنشأ به جامع مصطفى محمود وفيه 3 مراكز طبية ومستشفى وأربع مراصد فلكية وصخورا جرانيتية.
تصفح الكتاب:
الوجود والعدم:
“ما ثم إلا وجود وعدم.. ولكن العدم غير معدوم، بل هو حضرة لها حقائقها كما أن الوجود (الله) حضرة لها حقائقها.. فالعدم حضرة سالبة بمثل ما أن الوجود حضرة موجبة.. والعدم حضرة “قابلة” بمثل ما أن الوجود حضرة “فاعلة”.. وهما أشبه بالظلمة والنور والمرآة والشمس التي تبدو فيها.. وهي تشبيهات قاصرة عاجزة ولكننا لا نجد غيرها”.
انطلقت أقاويل كثيرة حول إلحاد مصطفى محمود وعدم اعترافه بوجود الله، مما دفع الكاتبة إلى عقد العزم والانطلاق إلى موطن مصطفى محمود للالتقاء به، لتكون نتيجة اللقاء هذا الكتاب ليطرح بعضاً من أفكاره من خلال حوار مفتوح تميّز بالصراحة والعفوية، ويعلق على مسألة إلحاده قائلاً: “المسألة بسيطة تتلخص في كوني مفكراً، وهذا يعني أنني أفكر، فيظن الناس أنني إذا فكرت فهذا يعني أنني كفرت. كنت أتساءل عن قضايا حساسة جداً مثل حرية الإنسان وغيرها، ووصلت في النهاية إلى حالة يقين. هكذا الأمر ليس أكثر. المشكلة في الآخرين لأنهم يتوهمون أفكاراً ويرونها حقيقة ثم يروّجونها وينسبونها إلى فكري. فالعيب في فهمهم للأشياء وليس في فكري أبداً. أنا بريء من هذه التهم، فهذا الأمر يؤلمني كثيراً لأنه لا يمثل الحقيقة. هل أحارَب لأن فكري منفتح، ولأنني أدقق في التفاصيل، وأفتت الأشياء، وأبحث في أعماقها؟”.
كتاب الوجود والعدم بفصوله الخمسة يطرح تساؤلات مهمة تدور في ذهن الإنسان عن الله وعن قدره، وعن اشكالية الخير والشر، قرأ مصطفى محمود في الصوفية وأبحر فيها وأدركها وشرح وجهة نظره فيها. يتحدث أيضاً عن الله سبحانه، وأنه هو الذي أقام قانون السببية؛ فالأسباب لا تضر بذاتها ولا تنفع بذاتها، وإنما هي في جميع الأحوال مظهر لمشيئته تضر بإذنه وتنفع بإذنه، وهو إن شاء أوقع الضرر بها أو بدونها، وإن شاء عطلها عن الفعل كما عطل النار عن إحراق إبراهيم عليه السلام.
فكل الأسباب لله، فهو الذي يملكها وهو الذي يؤتيها وهو الذي يسوقها وهو الذي يسخرها.
وهناك حكمة دائماً وراء المنع والعطاء والهداية والضلال، ومشيئة الله وهدايته دائما تستند إلى لياقة واستعداد في العبد، والعبد يملك من المبادرات وخلوص النية والتوجه ما يرشحه للعطاء أو الحرمان، فعطاء الله مشروط، كما إن حرمانه مسبب وليس الأمر جبراً وإكراها وتعسفاً.
وحول قلق الموت عند مصطفى محمود؛ يرى أن الحياة هي عملية الموت، والموت في حقيقته حياة، فالإنسان معنوياً يموت، وأدبياً يموت، ومادياً يموت، وفي كل لحظة يموت. فالإحساس بالموت يجري في دمه بشكل دائم؛ مما دفعه إلى أن يرى الإنسان “نعشاً متحركاً” سوف يقع في يومٍ ما ولن يتكلم. فالموت يعمل بصمت في جسد الإنسان وعقله بصفة مستمرة وغير منقطعة، ويوماً ما سيغلب الموت الحياة.. هذا الأمر المقلق له على حد تعبيره جعله يُقدم على عمل مشاريع خيرية كثيرة ويُشرف عليها بنفسه.