د. منى البليهد تكتب ” كوفيد جريفين “
كوفيد جريفين
الوحش الأكبر الذي مس أركان العالم ، تنصهر الشعوب في إطار وحده غامضة غير متمفصلة ، بمسيرة عبر القارات ، على نحو شبكي متقاطع ، لغة عالمية واحده ، لا يعزل الذات عن العالم فقط ،لا عن الشارع المقابل لمنزله ، لا عن الأفراد في محيطه الخاص. إنه إيقاع واحد رتيب ممل متموضع مع العقل والروح ويفصله عن حياته التي اعتادها ويفهمها.
الانقطاع والبعد والخضوع لممارسات لم يعهدها المنطق بقسرية تفوق مقدرة البشر . ظن العالم الذي يتوق لبناء مدن فضائية ، أن الائتمانية في كوكب الأرض مضمونة ، وأن المعيار القيمي الضبابي لا ضير فيه طالما تحققت الرفاهية للأقوى ، العالم بات كرسم سريالي لتخوم غرائبية ، لمرضى تتم عليهم انتقائية لمن يستحق الحياة ، وجثث تُحرق ، ودور عبادة مهجورة ،مدارس تتألم . تباطأ نبض العالم.. انقبض صدره .. ارتفعت درجة حرارته.
وحين يتنقل الفايروس، تنتقل الذات من حالة لأخرى ، لعالم متجانس، في رؤية الصدق ، وإن اختفى المسبب، تتابع الأرقام ..الحجر…الموت .
تأهيل العالم للاستعداد لترتيبات سيعاد تصنيفها ، حسب الأولوية الحتمية ، أو لم تكن متحققه بالأصل .ستنجلي قيم فردية وجماعية وعالمية .لأنها أتت من الخارج ، لم يعد الرأي الخاص هنا له أهمية، إزاء عدو غير مرئي.
لذا من المتوقع إمكانية عالية لتشكل القيم الإنسانية ، لدحض العنصرية والأنانية والطبقية و… و… ، فأثناء أو بعد اختفاء الفيروس ، ستظهر قيم أخلاقية تتصدر العالم ، وكما يقال أن في قلب الشر الخير أيضاً .
في مقالة لبيتر ت. كولمان أستاذ علم النفس بجامعة كولومبيا ، عن الصدمات الغير العادية يتطرق فيها لسيناريو “العدو المشترك” كوفيد 19 COVID-19 أن نظامنا يساعد على تغيير المسار نحو وطنية أكبر ، ، حيث يبدأ الناس في تجاوز خلافاتهم عندما يواجهون تهديدًا خارجيًا مشتركًا. . خلال حملة Blitz بلتز ، حملة القصف النازي التي استمرت 56 يومًا ضد بريطانيا ، دهشت حكومة ونستون تشرشل وشجعت لتشهد صعود الخير البشري – الإيثار والتعاطف وسخاء الروح والعمل.
وتعددت الأصوات التي تدعو لطرح القيم المنبثقة من كنف الداء ، بداية من التربية المبكرة ، وكما ورد عن “ويسبورد” أنه بالنسبة للأطفال الذين يبلغون من العمر ما يكفي للفهم ، فقد حان الوقت للحديث عن المسؤولية الجماعية لعائلاتنا والمجتمع بأسره. وأوضح: “هذه فرصة للأسرة لتطوير هوية مدنية” ، ويمكن للوالدين تعليم الأطفال أن جزءًا من هذه الهوية هو “رعاية الأشخاص الضعفاء”. وأشار ويسبورد للأفق التوتري العنصري: “لدينا رئيس يسمي هذا فيروس الصين “، وقال إنه من المهم تعليم الأطفال أن” هذا وقت التراحم “.
وكأن الفايروس يمثل اختفاء “جريفين ” *في رواية ( الرجل الخفي ) لويلز المتوفي سنة 1946 الذي اشتهر بدقة تنبؤاته الخاصة بالتطورات الاقتصادية في القرن العشرين ، يحاكي تلك اليد الخفية للرجل الخفي التي تمتد لتسلب الأموال من مكان لآخر ، وصعوبة اقتفاء أثره ، الذي يُجسد الأنانية والانسياق وراء الرغبات الخاصة . مفتقراً أي نوع من الإحساس بالجماعة ( عمل السوق الاقتصادي المشوش ، من رموز الاختفاء غسيل الأموال الذي يحدث بشكل غامض) فهي حكاية اقتصادية رمزية ذات مغزى أخلاقي .
فهل كوفيد 19 COVID-19 ، الخفي الغامض الذي يسلب العالم حياتها، الصحية ، الاجتماعية ، الاقتصادية ….. يؤسس لمنحنى أخلاقي قيمي ، لإقصاء نموذج ” جريفين” .
*مقاله لكانتور ، بتصرف .