على العالم أن يستعد لعصر الأوبئة
Last updated on ديسمبر 19th, 2023 at 07:21 م
على العالم أن يستعد لعصر الأوبئة
هالة القحطاني
صراع العالم مع الأوبئة أمر ليس بجديد، فعلى مدى نحو ١٥٠ عام، شهد العالم على سبيل المثال سبع مراحل من انتشار وباء الكوليرا ، والذي ظهر في روسيا اول مرة عام ١٨١٧، وأودى بحياة الكثير. وخلال العقدين الأخيرين، شهدنا مع غيرنا حول العالم تفشي العديد من الأوبئة التي أودت بحياة الملايين من البشر، وربما كان أخطرها الكوليرا، والطاعون، والجدري، والسارس وإنفلونزا الخنازير والطيور وكورونا الأول. ومع انحسار كل وباء، يظل هناك قلق ان كان سيظهر وباء آخر يهدد حياة البشرية.
ومن يجري بحثاً صغيرا، سيكتشف بإن العلماء كانوا ومازالوا يتوقعون ظهور المزيد من الأوبئة، ويحذرون منها في النشرات الطبية الطويلة، والتي تبدوا للكثير مملة لذا لا يقرأها الا المختصين او المهتمين بعلم الأوبئة.
واليوم بعد ان كاد العالم، يبتلع كذبة نجاح التجربة الصينية الخارقة في احتواء الفايروس، الذي نبع من مدينة ووهان وبالتحديد من أسواقها الرطبة. عادت الصين لتفتح تلك الأسواق مجدداً، والمشهورة ببيع لحوم الحيوانات البرية والغير برية، من كلاب وقطط وضفادع وسلاحف وخفافيش وزواحف وآكلة نمل وغيرهم، من فقاريات ولا فقاريات ورخويات والأخضر واليابس. فكل ما يمشي على الأرض دون مبالغة، يتم قتله وبيعه في تلك الأسواق، حتى بعضه يتم بيعه حياً. وكل مجموعة من تلك الحيوانات تحمل مخازن لفيروساتها الخاصة حسب الدراسات الطبية، التي كانت تتقفى مصدر تلك الأوبة، التي نشأت في الصين منذ اكثر من 17 عامًا قبل ان تنتشر ” وتُصدر” حول العالم.
وكانت قد حذرت بعض دول العالم الصين مراراً وتكراراً من الكوارث التي قد تسببها تلك الأسواق، إلا أن الصين لم تقم بإغلاقها مؤخراً من باب الشعور بالمسؤولية، بل فعلت ذلك على مضض، للتخفيف من وطأة النقد التي طالها من بلدان العالم.
وبعد ظهور فيروس “هانتا”، المميت الآخر الذي ظهر في وقت سابق في الصين أيضاً، وإعادة فتح بؤرة الأوبئة ” السوق الرطبة” في مدينة ووهان مجدداً، بات علينا إعادة ترتيب استراتيجيات التعامل مع الأخطار، والإستعداد بخطط متطورة للتعامل مع الأوبئة، لمرحلة ما بعد تطبيق خطط العزل.
ولنتذكر في ٣١ من ديسمبر 2019، حين تم الإبلاغ عن أول حالة مشتبه بها لمنظمة الصحة العالمية، بوصفها فيروس (كورونا المستجد)، انتشر سريعاً إلى اغلب دول العالم في أقل من ثلاثة أشهر.
شاهدنا كيف اتخذت المملكة عدة خطوات استباقية واحترازية، للحد من تفشي الفايروس، ولن أسردها هنا لان مجهودات الدولة ظاهرة للعيان، وقد تكون نموذج في التعامل مع الجائحة من عدة جوانب.
نود ان نقول هنا، بإن الأمراض المعدية لن تتوقف عند كوفيد 19، بل ستستمر في الظهور والعودة للظهور، لأنها أصبحت الآن جزء من العالم الذي نعيش فيه. والعالم لن يستطيع تغيير الثقافة الصينية، التي لا تحتمل اختفاء وجبة الخفافيش و الكلاب والقطط والثعابين والسحالي والديدان من موائدهم. بل يرون في دخيلة أنفسهم، بإن على العالم ومنظمة الصحة العالمية، ان تحترم ثقافة الشعوب ورغباتها واختياراتها فيما تتناول من أطعمة !
لذا علينا ان نعي، بإن حتمية ظهور امراض وبائية جديدة، قد تكون اكثر تعقيدا من الأوبئة السابقة، لم يعد احتمالاً بل أحد المخاطر الواردة، والتي ينبغي ان نستعد لخطورة تفاقمها وتداعياتها بخطط أكبر من الحالية، فلا ينبغي أن تتوقف إدارة الأزمات لدى الحكومات، بتوفير حلول مؤقته عند التدابير الوقائية، من احترازات التباعد الاجتماعي، او التوعية بغسل اليدين، والبقاء في المنازل.
ما نحتاجه خطط متقدمة ومتسلسلة تزداد في القوة كلما زاد الخطر. نحتاج الى استراتيجيات تجعلنا قادرين، على الدراسة والإنتاج والعمل اثناء تفشي أي وباء قادم، وتبقينا مستعدين للعيش تحت أي ظرف. وطالما الأسواق الرطبة في الصين مازالت مفتوحة، على العالم أن يستعد لعصر الأوبئة، بنفس الطريقة التي يستعد بها للحرب.