محمد بن سلمان.. أيقونة التنوير والتطوير في مقابلة تاريخية

مقابلة ولي العهد بتفاصيلها الدقيقة ومحتواها الضخم تحدّت الصحافة التقليدية

مسؤولية بقلم د. ناهد باشطح

مقابلة ولي العهد وإخفاقات الصحافة التقليدية

هذا المقال لن يكون عن محتوى مقابلة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان التي أجراها زميلنا المتميز عبدالله المديفر يوم الثلاثاء 27 ابريل 2021م ،ففي رأيي أن هذه المقابلة في محتواها هي بيانات ضخمة مهيئة للتحليل، وكتابة المقالات عنها لن تفيها حقها، ولعل محللي البيانات يساعدوننا في إخراج مادة صحافية تليق بها، إلا أن هذا للأسف لن يحدث – على الأقل في الوقت الحالي- فصحفنا مازالت غرف أخبارها تقليدية بخلاف غرف الأخبار الحديثة التي تتضمن فريق عمل يوجد به محلل بيانات .

أقول ذلك بحرقة الصحافية الشغوفة التي تفرغت لمهنة الصحافة منذ أكثر من ثلاثين عاماً، وعندما فرحت أن بلدها تحتل مراكز متقدمة في التقنية لم تجد للجانب الإعلامي نصيب !

وقت متابعتي للمقابلة تسائلت ماذا ستفعل الصحف لتغطية هذه المقابلة التاريخية؟

هل ستنشر الصحف الإلكترونية الفيديو وقد سبقها في ذلك تويتر ويوتيوب، إذن ما الذي سوف تقدمه الصحف؟

الواقع أن الصحف نشرت تغطية وكالة الأنباء “واس” و عدداً من المقالات والآراء الانطباعية حول مقابلة ولي العهد وشخصيته ، الصحف بالطبع تريد إبراز المقابلة لأهميتها لكنها لا تستطيع لعدم قدرتها على ممارسة ‫صحافة البيانات‬ حيث أن المقابلة المهمة هي مادة ثرية وبإمكان برامج ‫تحليل البيانات‬ مساعدتنا على الخروج بأكثر من مادة تحليلية شيقة للجمهور ،لكن هذا يتطلب ‫صحافة تفاعلية‬ تهتم بالتحليل و ‫التمثيل البصري، ‬وقبل ذلك صحافي يستوعب اختلاف العمل في الصحافة الرقمية ليحرر المادة الصحافية وفق شروط تحسين محركات البحث(عدد كلمات المحتوى، العناوين الفرعية، موقع الصورة، اختيار الكلمات المفتاحية وغير ذلك)‬

مواد الصحف لا تظهر في نتائج جوجل..لماذا؟

حين تبث أكثر من قناة عربية مقابلة مدتها ساعة ونصف وحين يشتعل تويتر عربياً وعالمياً للإشادة بالقائد الشاب الذي يتحدث بثقة وبالأرقام لغة العصر عن قضايا مجتمعه، والتطور الذي استطاع تحقيقه من خلال رؤية واضحة وطموحة أعلن عنها قبل خمس سنوات، نجد الصحافة المحلية عاجزة عن تقديم مادة صحفية تتجاوز العمل الصحافي الورقي إلى عمل صحافي رقمي، يبرز قوة محتوى المقابلة.

أكثر ما يمكن أن يكشف لنا تقليدية العمل الصحافي في صحفنا أنه بالرغم من وجود موقع الكتروني لكل صحيفة إلا أنك إذا وضعت كلمات مفتاحية للبحث عن المواد المنشورة في جوجل عن المقابلة مثل “مقابلة محمد بن سلمان ، مقابلة ولي العهد ، مقابلة ورؤية 2030 ” فإنك لن تجد في العشر النتائج الأولى أي من مواقع صحفنا باستثناء ثلاث صحف ظهرت بعد  موقع قناة ال BBC العربي ، بالرغم من أن الصحف جميعها نشرت مواد صحفية ومقالات عديدة عن المقابلة التاريخية، ولهذا تفسير يعرفه متخصصو الصحافة الرقمية، إذ أن نشر المواد في الصحافة الرقمية لا يشبه أبداً نشرها في الصحافة الورقية التي لا تعرف محركات البحث وسبل التعامل معها، ولذلك يظهر موقع مثل قناة ال BBC الذي لطالما انتقدنا في المراحل الأولى من نتائج البحث في جوجل لأنه مهتم بآليات وفنيات تحسين محركات البحث(SEO).

وبحرقة أسال هل يعرف الصحافيين لدينا معنى كتابة المقالات وتحرير المواد الصحافية بما يتوافق مع تحسين محركات البحث (SEO) الأداة التي تجعل جوجل الشهير يفهم المقالات ويضعها في أوائل نتائج محركات البحث؟

فيما يبدو أن مقابلة ولي العهد ذات المحتوى الضخم صدمت الصحف المحلية فهي من الناحية الفنية في صناعة المحتوى بيانات ضخمة ، حين ترجمتها من موقع صحيفة “عرب نيوز” قارب النص على ١١ألف كلمة أي أنها “big data” ولأن الصحافة لدينا لم تتعرف على البيانات بعد، فقد تعاملت مع المقابلة كمادة إخبارية قوية لكن الإطار كان بعيداً عن الإطار الرقمي، ولذلك خسرت أن تظهر هذه المواد لأي مستخدم للإنترنت يبحث عن معلومات عن المقابلة في مواقع الصحف المحلية.

غرف الأخبار لتطوير الصحافة المحلية

سأتحدث بشفافية ،لقد هجرتُ الكتابة في الصحف منذ عامين عندما اكتشفت وجود صحافة البيانات في العالم العربي ،وأن الكتابة في الصحف الإلكترونية في الغرب والشرق متقدمة عن واقع صحفنا الإلكترونية ،وبالرغم من تدريبي لعدد كبير من الصحافيين على صحافة البيانات إلا أنني اكتشفت أن ذلك لن يفيد  لأن هؤلاء الصحافيين لن يستطيعو ممارسة هذا النوع من الصحافة في صحفهم في ظل وجود غرف الأخبار التقليدية، إذاً الخطوة الأولى هي بناء غرف أخبار حديثة ليعمل فيها الصحافيون الجدد، لكن معظم صحفنا مازالت تعمل بذات الفكر القديم رغم محاولتها التحديث لكنها لا تدرك أن المحتوى هو الأساس، وقد حاولت التواصل مع أكثر من صحيفة لتدريب الصحافيين دون جدوى. وعرضت تأسيس غرفة أخبار حديثة لأكثر من صحيفة دون جدوى، وكل يوم تزداد الهوة بين صحافتنا وبين واقعنا، وتبقى صحافتنا خبرية وصحافة رأي أكثر منها صحافة تحليل تنقل نبض المواطن .

كلنا يتحدث عن قصور الصحافة ومعظمنا يعلم أنها أزمة عالمية، لكن الصحافة في الغرب تجاوزت الأزمة وبدأت الصحافة العربية في الخروج من نفق الأزمة ،وبقيت صحافتنا كما هي متمسكة بالتنظير دون اهتمام بتطوير المحتوى واستعمال الأدوات التقنية الجديدة في مهنة تحولت إلى صناعة ضخمة.

اترك تعليقاً

Connect with:

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى