أوراق التوت
أحمد الدليان
Last updated on يناير 9th, 2020 at 10:11 ص
الكاتب: أحمد الدليان.
الحياة الروحية للأنسان، كأوراق التوت، التي تتساقط مع مرور الوقت، في رحلتها بين فصول الحياة، فهذه الروح الشفافة تتلون بكل حالة تمر بها، فتجف أوراقها وتتساقط بمرحلة خريفها، لينتظر ربيع، يخضر أوراقه من جديد لتنبض بالحياة، أستعير من كلمات الطبيعة في وصف هذه الروح التي تسكن أعماقنا بلا صوت وبلا صورة، فهي الحقيقة الكامنة، التي يتناغم ظاهرها بالباطن، لأنها السلطة الكامنة بأجسادنا، التي تنقلنا من حالة وجدانية إلى حالة عقلية سليمة، حتى الصفاء الروحي الخالص، كل هذا يعطينا قراءة واضحة على دور الروح وإلهامها في ضبط الوجدان وتقويمه وتنقيته مما يشوبه، يقول الله تعالى: ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾ فتهذيب الروح يوقض القلوب ويخاطب العقول فتحيا النفس، وتزهر الأرواح بوجدان مثمر، بعيدا عن دوامة الزمن التي لا نهاية لها.
فالبعض يسوق لفكرة تعدد الحيوات، فهذه الفكرة تسويق بروباغندا تهيء البشر لقبول الانفصام على أنها حالة طبيعية. فلكل إنسان اليوم حياة اجتماعية وأخرى مهنية وفكرية ونفسية وعائلية ودينية وروحية. وقبول هذا التصنيف يهيء إلى العزلة في المجتمع، فيتصور له أنه بلغ مرحلة النضوج والتصور الذهني في نجاح مهمته المهنية، غافلا عن إهمال الأجزاء المهمة من حياته الأخرى، لأننا نجزئ أرواحنا إلى عقول ونفوس متعددة، ينتج عنها عدّة أشخاص في شخص واحد مشتت الأهداف.
باختصار، يستطيع كل إنسان أن ينقل ما يشاء من حياة إلى أخرى، بحسب حاجته، دون تمزيق هذه الروح.
وإذا تعمقنا بمفهوم الحياة الروحية للإنسان ومفهومها البسيط، وبعيداً عن الأنظار الفلسفية، سنجد هذه الصور الروحية أجمل في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وفي معالم ديننا الإسلامي الحنيف، في الأصول والمنهجية والغايات، التي بسطت سلطانها على النفوس والعقول بعيدا عن الحياة المادية التي نعيشها، وأقل ما نصفها بالقدوة الصالحة والأسوة الحسنه، لما لها من أسس نفسية ودعائم أخلاقيه متينة, تنقلنا إلى الغايات الروحية لتصفى بها نفوسنا من شوائب الحياة المادية وتراكم الصمت بدواخلنا، لتذوق الحياة بصورتها الجميلة بعيدا عن النزاعات النفسيه والأخلاقية والميتافيزيقية (ماوراء الطبيعة).
من هنا، يستطيع الإنسان قياس مدى قوته الروحية، من خلال سلوكه وردات فعله مع كل حدث في حياته مهما كان هذا الحدث صغيرا أو كبيرا، طالما أنه يبحث عن الحلول المنطقيه التي تتناسب معه، ويسعى فهم المبادئ الأساسية والاكتفاء بها .